من عادات الغربيين أن سُيَّاحهم وسائحاتهم لا يقتصرون على اللهو والنزهة في رحلاتهم، بل إنهم يضيفون الفائدة العلمية والتاريخية إلى ذلك. ولهذه الفائدة لذة خاصة بها لا يدركها إلا مَنْ نالها؛ فهي لا تقل عن لذة التنزُّه وتسريح النظر في طلاوة الجديد. وقد يسترسل في البحث والسؤال والتنقيب بحيث يرجع من زيارته مزوَّدًا من المعلومات عن نفائسنا ومفاخرنا وهو لم يستغرق من الزمان إلا أيامًا معدودة. مع أن الشرقيين قد يشبُّون ويشيبون في بلادهم وهم لا يعرفون عنها شيئًا يستحقُّ الذكر، وإن ذهبوا إلى البلاد الأجنبية فلا يقرنون النُّزْهة بطلب الفائدة.
وأَدَبُ الرِّحلةِ من أقدم الأنواع الأدبية النَّثريَّةِ القَديمةِ التي عُنِي بها الباحثونَ والدَّارسون، فقد كانت وَسيلَةَ طَلَبِ العِلمِ من صُدورِ أهلِه، ومِعيارَ الحُكمِ على أهْليَّةِ العالِمِ وكفاءَتِه، وكانت وسيلةَ التَّعرُّف إلى مَواطِنِ البَشَرِ واختِلافِ ثقافاتِهم وأساليب حياتهم، والحَضاراتِ التي يَنحدِرون منها ويَنتمون إليها. والتراث الأدبي العربي يذخر بالكثير من الكتب والمؤلفات التي تناولت الرحلات ورصد ما شاهده الكاتب في أسفاره.