«مذكّرات» مذكّرات كتبها أبو القاسم الشّابي، تلمّ بحياته، شجونه، أفكاره، أحلامه، شيءٌ من يوميّات صحبته في ذكراها وقيمتها، والتي غالبًا ما كانت تستمدّ قيمتها من الأحبّة الذين جمعه بهم ردحٌ من الزّمان أو الأصدقاء. «أصحابي المتوفّون يعودون إلى الحياة ثانيةً كأجلّ وأجمل ماعرفتهم أوّل مرة، وإذا بنفسي تُمثّل معهم فصولَ الحياة الغابرة التي مثّلناها بالأمس وطوتها الدهور، وتنسى متاعب العيش وأحزان الحياة، وتحسب أنّها ما زالت تلك النفس التي عرفتها بالأمس مضحاكة فرحة كقَّبرَة الحقول، وتنسى أنها قد أصبحت غريبة بين أشباح لا يفهمونها، وحيدة بين أنصاب جامدة تحرّكهم بواعث المادة وشهوات الجسد. بعيدة جدٍّا عن ذلك الملأ السّعيد الذي عرفته في عهدها الماضي، والذي ضربت بينها وبينه. صروف الحياة فاندفع في سبيل الخلود، فظلّت ههنا وحدها تندبهم وترثيهم .. ها هم أصدقاء طفولتي الحالمة الذين عرفتهم في بلاد كثيرة ... ها هم يتراكضون بين المروج الخضراء ويجمعون باقات الشقيق والأقحوان، ثُم يتسلّقون الجبال متتبّعين أعشاش الطيور الصيفيَّة، ومترنمين بتلك الأغاني البريئة.