هذا الكتاب ما أنا بقاض، ولا يسرني أن أكونه ، لأنني لا أحسن التسوية بين الخصمين في قضية الطغيان والحرية الإنسانية. وأحمد الله أنني خصم قديم فيها منذ نيف وثلاثين سنة؛ أي في السن التي يراع فيها بعض الناس بمظاهر السطوة والاقتحام، والتي يخيل إليهم فيها أن الشجاعة والبغي شيء واحد، وأن العزة هي إذلال الآخرين، وأن بُعد الذكر هو حسبُ الإنسان من المجد، ولو كان ذِكرًا بالفتك والشر والإيذاء.
فمنذ نيف وثلاثين سنة كان لي شرف الخصومة في هذه القضية الخالدة، وكنت أبحث في أعماق نفسي فلا أحس فيها غير المقت والازدراء لأولئك الذين سمَّوْهم عظماء التاريخ لأنهم طلبوا المجد والشهرة من طريق الغزوات والفتوح، وقاسوا عظمتهم بمقدار احتقارهم «للإنسان».
عباس محمود العقاد