ما أشك في أن أبا العلاء قد كان مِثْلَنَا، يحب أن يَعْرِفَ الناسُ مِنْ أمْره أشياء، ويكره أن يعرفوا مِنْ أَمْره أشياء أخرى. وقد احتاط الرجل لذلك ألوانًا من الاحتياط، واتَّقاه بضروب من التقيَّة. فألغز وغلا في الألغاز، واصطنع الاستعارة والمجاز، ودار حول كثير من المعاني دورانًا، ولم يرد أن يتعمقها في شِعره أو نثره مخافة أن يَظهر الناس على رأيه، وأن يعرفوا من أمره ما كان يجب أن يَجهلوا، ويطَّلعوا مِن سِرِّه على ما كان يؤثر أن يَظَلَّ عليهم مستغْلَقًا، ودونهم مكتومًا. وأنا أعرف أن العلم يكلِّف أصحابه أهوالًا ثقالًا، ويَحْمِلُهُم من بعض الأمر على ما لا يُحِبُّون أن يُحْمَلوا عليه؛ فيضطرهم أحيانًا إلى هتْك الأستار، وفضْح الأسرار، وإظهار الناس من أمر بعضهم على ما لا ينبغي أن يظهروا عليه. تلك تضحيات يتكلفها العلماء في سبيل الوصول إلى الحق، لا يُشْبهها إلَّا ما يتكلفه أصحاب العلوم التجريبية من تعذيب الحيوان في سبيل ما يبتغون من العِلْم الخالص، أو من العلم الذي يَنْفَعُ الناسَ في حمايتهم من العلل والآفات. طه حسين
الوعد الحق
طه حسين
bookالشيخان
طه حسين
bookالأيام : الجزء الأول والثاني
طه حسين
bookالفتنة الكبرى : علي وبنوه
طه حسين
bookالأيام : الجزء الثالث
طه حسين
bookدعاء الكروان
طه حسين
bookالفتنة الكبرى : عثمان
طه حسين
bookفى الشعر الجاهلى
طه حسين
bookمن أدب التمثيل الغربي
طه حسين
bookما وراء النهر
طه حسين
bookعلى هامش السيرة
طه حسين
bookالأيام
طه حسين
book