الرفاعي في توسّعه لمعالجة الظاهرة الدينية قد طرق باب الكرامة الإنسانية في الدين، وعالج تلك القضية الشائكة بمهارة، وجعلها محوراً من محاور أفكاره، وذلك حينما أثار سؤالاً جوهرياً يحتاج إليه كلّ مؤمن: هل يعزّز الدين كرامة الإنسان، ويثريها، ويُعلي من مقامها، أم أنه يجرّده منها لصالح معتقد سماوي تجريدي، فيسلب من المرء ذاته الفردية، وكرامته الدنيوية؟ وقدّم جواباً وافياً عن ذلك السؤال المركّب بكتابه الجريء "الدين والكرامة الإنسانية"، وهو كتاب، وإن بدا للقارئ سلساً في أسلوبه، ورقيقاً في عباراته، فهو عميق المغزى، وقويّ المبنى، ومتين الحجّة، ويغري القارئ بالخوض في موضوعه الشائق لمعرفة الحدّ الفاصل بين كرامة ثريّة يسبغُها الدين على المؤمن، وكرامة ضحلة يخلعها التديّن عليه. ويلزم ذلك مني تعليقاً على الموضوع: فالإيمان ضربٌ من الفهم العميق لرسالة سماوية غايتها تغيير أحوال الناس في الدنيا صوب الأفضل، فيكون إيجابيّاً بمقدار ممارسة الإنسان للدين بكرامة تصون هويته، ويكون سلبيّاً إذا أُرغم عليه، وامتثل لتفسير ضيّق الأفق له، وفرّط بهويته الدنيوية بإغراءات وهمية؛ فالدين الحقّ لا يقترح تبعيّة عمياء لإله غامض، وهو لا يرى في المؤمنين قطيعا من الأتباع، بل يشترط فهماً لمضمون رسالته، وانفتاحاً على السياق التاريخي للأديان السماوية، ولا قيمة لرسالة دينية لا تجعل من كرامة الإنسان رهانها الأول والأخير.أحسبُ أنّ الرفاعي قد وضع إصبعه على المعنى العميق للدين حيث تتمازج فيه أطياف الروح والعقل في تناغم ورعٍ يجعل النفس مطمئنّة، وآمنة، غير أنها يقظة، وحيوية. وكتاب الرفاعي لا يُحابي التَركة الفقهية واللاهوتية والكلامية، بل يحرّر المؤمنين من عبئها الثقيل جداً، ويخفّفهم من أحمالها الخشنة، وغايته الصدق، والاستقامة؛ فالكرامة الإنسانية ليست موضوع محاباة، ولا ينبغي أن تكون كذلك، أيّا كانت الذرائع. تتقوّى الكرامة حينما يكون الدين داعماً لها، ومعزّزاً لقيمها الجليلة، ونابذاً للعنف والفرقة.