إن الشعر يعتمد على طاقته فحسب، لا على صنعة أو بَهْرَج أو موسيقى، وهو برهان على صدقية ما نادينا به من قديم عن كفاية اللغة العربية لخدمة الشعر المتجرد مثل كفايتها لخدمة الشعر المتدثِّر بالأزياء الجذابة من موسيقى وألوان وأضواء وظلال، فالشعر شعر في أية لغة بأحاسيسه وارتعاشاته وومضاته وخيالاته، وبحقائقه الأزلية ومثالياته.
وإذا قدرنا ألوان هذا الشعر المتجرد أو المرسل أو الحر أو الرمزي أو السريالي ونحوها، فليس معنى ذلك أننا نبخس الضروب الأخرى من الشعر حقها، أو ندعو إلى إغفالها، كما يدعو إلى ذلك بعض الأدباء الذين لا يقدِّرون أن ثروة أية لغة هي بمجموع آدابها، وأن الخير كل الخير في تنوع ضروبها، لا في حصرها. ومذهب الحصر مضاد للحرية، في حين أن الحرية هي صديقة الآداب والفنون، بل والمعارف عامة، فالإملاء على الشعراء والتحكم فيهم هو أولًا قتل لمواهبهم، ثم قتل للشعر وممكناته، ثم إفقار للغة وآدابها.