النسيان ضروري للحياة النفسية، لأن ما تقع عليه أبصارنا كل يوم وكل ساعة وكل لحظة لا يدخل تحت حصر، وكذلك جميع ما يصل إلينا بطريق الحواس، فلو ذكرنا كل شيء لاختلط الجليل بالتافه، وامتزج المفيد باللغو والباطل. ثم إن الحياة بطبيعتها متطورة متغيرة يحتاج فيها المرء إلى ملاءمة نفسه مع هذه الألوان المتغيرة من الحياة، فيضطر إلى تحرير نفسه من الماضي بنسيانه ليتسنى له التوافق مع الحياة الجديدة. لذلك كان النسيان ضروريًا لحرية الإنسان، فلا يعاود حياته الماضية كما هي.
ويحتاج استخدام الذاكرة إلى اختيار، وينبغي أن نحسن هذا الاختيار إذا أردنا النجاح في الحياة، فلا ينفك المرء عبدًا لحياته الماضية يعيش فيها أبدًا ولا يخرج عن دائرتها.
وكثيرًا ما يكون النسيان رد فعل طبيعي لسلامة الحياة واستقامتها، فقد تمر بالإنسان ذكريات فاجعة كلما استعادها تـام الألم الشديد، كالذي ذهبت ثروته أو فقد ابنه الوحيد، فإذا لم يستطع إلى النسيان سبيلاً بإرادته، أو لم تعينه الطبيعة بفقدان الذاكرة، فضل الموت على حياة مملوءة بالآلام، فأقدم على الانتحار. والشواهد على ذلك كثيرة في التاريخ نذكر منها مأساة كليوباطرة ومار ك أنطوان.