ليس من المهم، اختيار النواحي البارزة أو التافهة في التناقض بين الحياة الخارجية التي نعيشها وبين أفكارنا ومشاعرنا أو ما نسميه على الأقل بمعتقداتنا وأحاسيسنا. والسؤال المهم هنا هو: ما العلة في هذا الانقسام والتناقض؟ هناك، بالطبع، فئة تعزو السبب إلى الحقيقة الماثلة وهي أن الناس، لكونهم بصورة عامة أطفالا في شكل رجال، أو بلداء خاملين، لا ينتظر منهم، إلا تمثيل الأدوار التي يعهد إليهم بأدائها. لكن هذا "التفسير" لا ينقلنا بعيدا، حتى ولو تقبلناه ورضينا به. إذ أنه لا يشرح الصورة المعينة التي تبدو فيها البلادة المشار إليها.
فكلما تعمق الإنسان في معرفة التاريخ ودراسته، كلما تأصل اعتقاده، بأن التقاليد والنظم، تلعب دورا أبرز في تعليل الأمور من القدرة الفطرية أو العجز الفطري، ومن الواضح الجلي أن التصنيع السريع في حضارتنا، قد بغتتنا وأخذنا على حين غرة، ولما كنا غير متأهبين له عقليا وروحيا، فإن عقائدنا القديمة، توقفت عن النمو، وإن كنا كلما ابتعدنا عنها، كلما تظاهرنا بالتمسك بها واعتناقها، والواقع أننا نعتبر ذلك العقائد كوصفات سحرية، فعن طريق ترديدنا لها باستمرار، نأمل في إبعاد مساوئ الوضع الجديد، أو على الأقل في منع أنفسنا من رؤية هذه المساوئ، وأن معتقداتنا الأسمية لتقوم بالمهمة الأخيرة بصورة فعالة.