الفكرة التي أكتب فيها ندَرَ أن تكون بنت يومها، وقَلَّ أن تخلو من تاريخٍ سالفٍ تنتقل فيه كما ينتقل الكائن الحي في أدوار حياته، ولكل فكرة أَثبتُّها ميلادها ونشأتها وحوداث سيرتها وحظوظ أيامها، فلا تزال تنمو وتكبر وتترقى في تكوينها وترتيبها حتى تبلغ تمامها وتُوفِي على غايتها، ثم تجيء المناسبة لإثباتها فأُراجع ماضيها وأنظر إليها في هيئتها الأخيرة كأنني أبٌ ينظر إلى وليده الذي يراه الناس فردًا واحدًا، ويراه هو أبناء عدة تقلبت بهم الطفولة والشباب وتَعاوَرهُم النقص والكمال، وتمثَّلوا له في صور متتابعة لكلٍّ منها مكانها في قلبه وخاطره وذكرياتها من ماضيه وحاضره، ولعل النقص منها غير مقصر عن الكمال في موقع المحبة ومكان الإعزاز!
عباس محمود العقاد