بعد رحلاته العربية المتعددة، التي استأثرت به بضع سنوات، نشأت الرغبة لدى الكاتب والمفكر اللبناني أمين الريحاني في رحلة إلى بلاد عربية أسماها العربُ الأقدمون المغربَ الأقصى. وما كانت هذه الرغبة بأقل إلحاحًا واستبدادًا من الرغبات في الرحلات التي قام بها ، بل كانت أشدَّ وأحدَّ فنفذت إلى أقصى نواحي النفس، وصارت تحنُّ كالقلب الفتيِّ، قلب العاشق، إلى ذلك البلد العربي في أفريقيا الغربية الشمالية.
يقول الريحاني: إن شئتَ، أيها القارئ، أن ترافقني فأهلًا وسهلًا بك، أما مشقات الرحلة فأنت منها بعيد، وقد لا تشعر، وأنت جالس على كرسيك - أو مستلقٍ في فراشك، تدخن السيكارة أو السيكار أو الأركيلة أو الغليون، وهذا الكتاب بيدك - أقول: قد لا تشعر بغير الملل الذي يلزم كل كتاب في بعض صفحاته، وقد يكثر مثلها في هذا الكتاب. فما عليك إذ ذاك غير أن تضعه جانبًا - برفق أرجوك لا بعنف - وتستمر في التدخين، أو في النوم، أو فيما قد يكون أثار فيك من فكر أو غيظ أو كراهية.