منذ فجر التاريخ والإنسان في حاجة ملحة إلى نظام للقيم والمثل العليا، مما دفعه إلى إعادة البحث بدقة أكثر في مركزه البيولوجي، وتبقى الحقيقة ، حيث تتسع الهوة بين الإنسان والحيوان مرة أخرى. وبعد نظرية داروين لم يعد الإنسان مستطيعاً تجنب اعتبار نفسه حيواناً، ولكنه بدأ يرى نفسه حيواناً غريباً جداً، وفي حالات كثيرة لا مثيل له. ولا يزال تحليل تفرد الإنسان من الناحية البيولوجية غير تام.
لقد تأرجح رأي الإنسان فيما يتعلق بمركزه بالنسبة لبقية الحيوانات بين إعجابه الشديد أو القليل بنفسه، تفصل بينه وبين الحيوانات حيناً هوة سحيقة جداً، وحيناً آخر هوة صغيرة جداً. ومن الممكن طبعاً تصغير الهوة أو تكبيرها، إما من ناحية الحيوان أو ناحية الإنسان. ويستطيع الإنسان - كما فعل ديكارت - أن يصور الحيوانات كالآلات - أو - كما يفعل معظم السذج من الناس - أي يضفي عليها الكثير من صفات الإنسان أو يستطيع الإنسان أن يعمل في الطرف الإنساني من الهوة، وحينئذ إما أن يجرد جنسه البشري من صفاته، ويدخله في عداد الحيوانات أو يسمو به كثيراً إلى حد يجعله أقل قليلاً من الملائكة.