يربط نهر النيل بين القطرين المصري والسوداني منذ أزمنة سحيقة، ولا جدال في أن تتبع ما نشأ بينهما من مختلف العلاقات أمر له أهميته، غير أن الذي يعنينا الآن إنما هو الوقوف على حقيقة ناحية واحدة من تلك العلاقات في فترة معينة، ونقصد بذلك طبيعة الصلة التي ربطت بين هذين القطرين منذ الفتح المصري لبلاد السودان في أوائل القرن التاسع عشر،إلى أن عقد الوفاق الثنائي المشهور بين مصر وبريطانيا في آخر القرن نفسه.
وهذا الكتاب البحثي يتناول العلاقة بين القطرين من الناحية التاريخية العلمية التي تستند إلى الحقائق الثابتة، ولما كان الموضوع متشعب النواحي والمجال ، فقد قصر المؤلف تناوله على مسألة السيادة وإزالة ما علق بالأذهان عن مساوئ الحكم المصري في السودان، إذ أن الشواهد التاريخية المستقاة من الوثائق الرسمية لا تنفي ذلك فحسب، بل إنها لتدل على أن حكم المصريين للقطر السوداني كان حكماً عادلاً مستنيراً ، يهدف إلى رفاهية السودانيين والسير بهم قدماً في طريق التقدم والحضارة، لأن السياسة الرشيدة التي رسم محمد علي الكبير خطوطها الأساسية منذ البداية كانت تعتبر مصر والسودان قطراً واحداً داخلاً ضمن نطاق مشتر