اقتربت مطالع القرن العشرين، وأبناء القرن التاسع عشر يحسبون أنهم مقتربون من عصر خامل إلى عصر يشبهه في خموله، وكانوا قد عبروا الأعوام العشرة الأخيرة من القرن وهم يمرون بها مرور الملل وقلة الاكتراث؛ ركود لا يستغربونه؛ لأنهم أطلقوا عليه كلمة: «آخر القرن Fin de Siècle»، كما نقول نحن في اللغة العربية: «آخر زمن»، ونفسر به كل فعل منتظر على غراره ومن معدنه؛ معدن الإسفاف والابتذال، فلا اكتراث له ولا غرابة فيه؛ لأن الشيء من معدنه لا يستغرب، كما يقال ويعاد.
حربان عالميتان من عشرته الثانية إلى عشرته الرابعة، واقتحام للفضاء، وفتح للقمقم عن مارد الطبيعة الأكبر، وهو القمقم الذي يحتويه أصغر ما فيها من ذرات لا تدركها الأبصار.
هل تعجل الإنسانية إلى النصر على الطبيعة، أو تعجل إلى الدمار على يدي الإنسان بما كشفه من أسرارها؟ وهل اقترب الإنسان حقًّا من الحرب التي تختم الحروب، فلا حرب بعدها ولا محاربون، أم هو يقترب شيئًا فشيئًا من يوم النصر على الطبيعة، وعلى ما في طبيعته هو من بوائق الشر والدمار؟
عباس محمود العقاد