لقد بلغت الأمة العربية والإسلامية من النهضة العلمية في «عصرها الذهبي» مبلغًا وصلت لأمم العالم جميعًا أخباره، ونهلت من علومه وفنونه، في حين كانت نهضة الأمم وحياة الشعوب موقوفة على ملوكها وحكامها، بنى العرب نهضتهم مستندين إلى تاريخهم ولغتهم ودينهم، فنبغوا في الطب، والفلك، والهندسة والرياضيات، والفلسفة، والرسم، وغيرها من المعارف، وأسسوا لكثير من العلوم، بجانب عبقريتهم في الأدب والشعر والترجمة، فغدوا أعظم الأمم، وأنفعها للعالم. وهذا الكتاب الذي بين أيدينا اليوم هو كتاب قصير وسلس تأليف المؤرّخ والأديب اللبناني فيليب دي طرازي يناقش فيه فترة و عهد الخليفة العباسي «هارون الرشيد»، والتي أضحت دولته في ذلك الوقت تضاهي ممالك الفرس والروم في عزِّها واكتمال شملها، كما يتناول بؤراً أخرى في العالم الإسلامي شاركت أو نافست بغداد في هذا العصر مثل القاهرة الفاطمية والأندلس،لأهم المجالات التي كانت محور التركيز في هذا العصر وهي الفلك والطب والزراعة وغيرها، كما أبرز دور غير المسلمين في هذه النهضة وبصفة خاصة السريان والكلدان واليونانيين والروم، ويوضح الإنفتاح الشديد للخلفاء المسلمين في الحصول على الكتب من أي مصدر أيًا كان، وتخصيصهم لأموال طائلة للمترجمين.