"الاستعارة" وهي فن وثيق الصلة باللغة الأدبية، بل إن أرسطو- منذ خمسة وعشرين قرنًا- نبه إلى أهميتها، واتخذ منها مقياسًا دالاً على قوة الموهبة وتمكنها عند الشاعر، وكذلك التفت إليها النقد الأدبي عند العرب القدماء ، فاعتبرت الفن الأول من فنون البديع .. وكانت الاستعارة "ركيزة الهجوم على شعر أبي تمام، وذلك لما تميز به الكثير من استعاراته من الابتكار الذي يجافي الذوق العربي التقليدي الذي يؤثر أن يظل في دائرة "المأثور".
ومن الغموض الذي يتطلب إعمال الفكر والمعرفة بالمنطق والفلسفة، وهذا الغموض المتفلسف يجافي أصول الشعر كما حددها النقد القديم في سبعة مبادئ أطلق عليها "عمود الشعر" ومن بينها: المقاربة في التشبيه، ومناسبة المستعار منه للمستعار له، بل إن عبارة القاضي الجرجاني في صدر كتابه: "الوساطة بين المتنبي وخصومه" التي يحدد فيها ثوابت الذوق العربي في الشعر (ولعلها الإشارة الأولى المبكرة لما سمي فيما بعد عمود الشعر) تؤكد الحرص على وضوح المعنى ورفض الغموض والإبهام، وهذه العبارة تقول: "وكانت العرب إنما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن بشرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، وتسلم السبق فيه لمن وصف فأصاب، وشبه فقارب، وبده فأغزر، ولمن كثرت سوائر أمثاله وشوارد أبياته، ولم تكن تعبًا بالتجنيس والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر، ونظام القريض".