الكندي.. أول من تبحر من المسلمين في الفلسفة وسائر أجزائها من المنطق والطبيعيات والرياضيات والإلهيات، مع تبحره في علوم العرب، وبراعته في الآداب من النحو والشعر. وكان يعرف الطب، والنجوم وأحكامها، وضروبًا من الصناعات والمعارف التي قل أن تجتمع في إنسان واحد.
والعلوم المختلفة هي الأساس الذي تقوم عليه الحضارات. والفلسفة هي التاج الذي يجمع أطراف هذه الحضارة. والدين هي الروح الذي ينفح فيها الحياة. وقد استطاع الكندي أن ينطق بلسان العروبة من جهة دينها وهو الإسلام، ومن جهة العلوم الحضارية التي ترفع من شأن الأمم، فألم بهذه العلوم وأحسن تلخيصها، وكتبها بلغة عربية سليمة، ووضع لها مصطلحات قريبة المأخذ، جارية في الاستعمال، مقبولة عند الذوق. وهكذا أثبتت اللغة العربية بألفاظها وتراكيبها أنها لغة حضارة، فاستطاعت القومية العربية أن تقف على قدميها ثابتة في معركة القوميات، وأن تنتصر في هذه المعركة عدة قرون من الزمان.