يتناول هذا الكتاب الذي ألفه ابن رشد مفهوم الصدفة والفوضى في الكون، حيث يناقش إشكالية إضافة ابن سينا لمفهوم الممكن على التساوي كأحد أشكال الصدفة، ويرد على الإلزامات الخطيرة التي تترتب على هذا القول، مؤكدًا أن الصدفة لا تكون إلا في حالات نادرة. كما يشرح الفرق بين الصدفة والفوضى.
ويستعرض ابن رشد كذلك نظرية تطور الحيوانات عند أمبيدوقليس، مشيرًا إلى أن الأخير أخطأ حين اعتبر أن الصدفة هي العلة الفاعلة في ظهور حيوانات جديدة وأعضاء جديدة. ويُبرز كيف أن الكائنات التي تطورها ملائم تعيش وتتكاثر، بينما تموت تلك التي لها تغيرات غير ملائمة، مما يؤدي إلى انقراضها. هذه النظرية تعارض أساس علوم الطبيعة، وهو مفهوم الانتخاب الطبيعي، حيث تؤكد أن الطبيعة تعمل وفق غاية معينة، وأنها لا تقوم بأي فعل عبثي، بل كل ما تفعله إما أن يكون لأجل شيء ما أو نتيجة لضرورة تفرضها طبيعة الشيء.
ويؤكد ابن رشد أن الطبيعة تعمل دائمًا نحو الأفضل وفقًا لما تقتضيه طبيعة كل كائن أو عضو. ويرى أن هذا هو قانون الانتخاب الطبيعي، الذي يعكس بوضوح قانون الغائية الطبيعية، حيث إن الأفضل يمثل الغاية (ولا تنعكس). وهذه البديهية تُعتبر أساس كل علوم الطبيعة، لذا فإن هذا الفهم لنظرية امبيدوقليس يعد هدمًا لكل علوم الطبيعة. بناءً على آراء أرسطو، فإن العلوم لا تثبت مبادئها، ومن ثم، يجب أن يتم تناول هذه القضية من منظور فلسفي أو نقاشي وليس فقط من منظور علمي.
ويوضح أرسطو أن هذه القضية (انتخاب الأفضل) تُعتبر جوهرية في علم الطبيعة وفي العلم الإلهي. فإذا لم يُعترف بها، فسيؤدي ذلك إلى إنكار الغاية، وإنكار أن المادة ليست إلا لأجل الصورة. وبالتالي، فإن هذا يُفضي إلى إنكار الفاعل، حيث لا يمكن أن يكون هناك فعل بدون غاية. كما يشير إلى أنه إذا لم يُعترف بهذه الغائية من قبل العلماء الإلهيين، فلن يتمكنوا من إثبات أن الله له عناية بعالم الطبيعة.
يبدأ أرسطو بالقول إن الطبيعة تعمل لأجل شيء، ومن هنا يجب أن يُبدأ النقاش. ثم يتناول مفهوم الضرورة، وهو ما كان يرفضه القدماء. ويشرح أرسطو أن هذه البديهية الأساسية تعني أن الطبيعة دائمًا تنتخب الأفضل، وليس الأفضل بشكل مطلق، بل وفقًا لما تقتضيه طبيعة الكائن أو العضو. ويشير إلى أن الطبيعة تُنتج الأعضاء وفقًا للمنافع المتعلقة بها، وهو ما يمكن ملاحظته في النباتات والحيوانات على حد سواء.